تتجه الدولة المصرية في الآونة الأخيرة إلى رقمنة القطاع الطبي، لتواكب الثورة الرقمية التي يشهدها العالم في مجال الصحة، خاصة في ظل التطور المتسارع لتقنيات العلاج عن بُعد، والتي برزت بقوة بعد جائحة كورونا (كوفيد-19)، إذ لعبت دورًا محوريًا في توفير الوقت والجهد والتكاليف، وساهمت في تخفيف الضغط على المستشفيات.

إذا كنت تعاني من مرض مزمن أو حالة معقدة وتحتاج إلى الكشف لدى أطباء متخصصين عالميين في فرنسا، أو إنجلترا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، فأنت اليوم لست بحاجة إلى عناء السفر أو قطع آلاف الأميال، فكل ما عليك هو تحميل المنصة الطبية من Google Play إذا كنت تستخدم هاتفًا بنظام أندرويد، أو من App Store إذا كنت من مستخدمي "الآيفون".

وقد أصبحت منصات الكشف عن بُعد من أبرز أدوات التكنولوجيا المستخدمة في تحسين الرعاية الصحية في مصر، حيث سهلت الوصول إلى الاستشارات الطبية دون الحاجة للتنقل، وقللت الضغط على المستشفيات. ومن أبرز هذه المنصات:
"صحة مصر"، "أطمن"، "شِزلونج"، "فيزيتا"، و"إيزي هيلث".

التكنولوجيا الصحية ضرورة وليست رفاهية

في حقيقة الأمر، لم تعد التكنولوجيا خيارًا، بل أصبحت ضرورة لتطوير النظم الصحية. ومع استمرار دعم الدولة، وتعاون القطاع الخاص، وتدريب الكوادر، يمكن لمصر أن تتحول إلى نموذج إقليمي في تقديم رعاية صحية رقمية آمنة، شاملة وعادلة.

وخلال السنوات الأخيرة، دشنت الحكومة عدة مبادرات تستهدف رقمنة البنية التحتية للقطاع الصحي، كان أبرزها المشروع القومي للملف الصحي الإلكتروني، حيث يُعد التحول الرقمي أحد أعمدة استراتيجية مصر 2030، ويُتوقع أن يحدث الملف الموحد نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمة للمريض المصري.

كما أُطلقت منظومة التأمين الصحي الشامل، والتي تعتمد على أنظمة إلكترونية متقدمة لتسجيل المرضى، ومتابعة حالاتهم، وتقديم الخدمات الصحية دون تكرار للفحوصات أو ضياع في السجلات الطبية.

---

الكشف عن بُعد وتقليل الفجوة الجغرافية

بدأت عدة مستشفيات جامعية وخاصة في مصر في تقديم خدمات الطب عن بُعد، بهدف تسهيل وصول المرضى إلى الأطباء، خصوصًا في المناطق الريفية والحدودية. ولم يعد الكشف عن بُعد رفاهية، بل أصبح ضرورة لتقليل العبء عن المستشفيات، وضمان وصول الخدمة الطبية لكافة المواطنين، دون تمييز جغرافي أو اجتماعي.

وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة الصحة منصات إلكترونية للاستشارات الطبية، بالإضافة إلى خدمات الخط الساخن 105، والتي تطورت لتشمل استشارات طبية أولية بشكل فعال وسريع.

---

الذكاء الاصطناعي في خدمة التشخيص

حقق استخدام الذكاء الاصطناعي طفرة غير مسبوقة في المجال الطبي، ما يُنبئ بمستقبل واعد لقطاع الصحة، وخاصة في مجالات التشخيص المبكر وإجراء العمليات عن بُعد.

وقد بدأت بعض المستشفيات الكبرى، مثل مستشفى 57357 ومستشفى السلام الدولي، في استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في قراءة الأشعة وتحليل البيانات الطبية.

> "نستخدم أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن الأورام، حيث يمكن للخوارزميات تحليل آلاف الصور خلال ثوانٍ، ما يقلل نسبة الخطأ ويزيد فرص الشفاء."

كيف تستخدم الهاتف المحمول في الحفاظ على صحتك؟

مع الانتشار الواسع للهواتف الذكية، أصبحت التطبيقات الصحية وسيلة فعالة للتواصل مع المواطنين. أطلقت وزارة الصحة تطبيق "صحة مصر" لتوفير معلومات موثوقة حول الفيروسات، التطعيمات، والخدمات الصحية المتاحة.

كما ساهمت الحملات الرقمية في رفع الوعي الصحي بقضايا مهمة مثل سرطان الثدي، وفيروس C، مما دعم جهود مبادرات قومية كبرى مثل "100 مليون صحة".

تحديات رقمنة الصحة

رغم هذه الإنجازات، لا تزال جهود الرقمنة تواجه بعض التحديات، أبرزها:

ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق الريفية.

نقص تدريب الكوادر الصحية على استخدام الأنظمة الإلكترونية.

الحاجة إلى تعزيز حماية البيانات الشخصية للمريض وضمان الخصوصية.

كبسولة

التكنولوجيا الصحية تمثل فرصة حقيقية لتطوير المنظومة الصحية في مصر، شريطة استمرار الدعم والاستثمار في البنية التحتية وتدريب الكوادر. وإذا ما استمرت مصر في هذا الاتجاه بخطى ثابتة، فإنها بلا شك ستتحول إلى نموذج إقليمي رائد في تقديم رعاية صحية رقمية متطورة وعادلة للجميع.