نضال ابوزكي يكتب : تحديات رأس المال البشري في ظل تداعيات جائحة كوفيد-19
أعده للنشر أحمد حسان عامر بلدنا نيوز الاقتصادي
قبل أن تصيب جائ كوفيد-19 العالم، كانت العديد من الدول تحقق مكاسب ملموسة في رأسمالها البشرية، حيث لوحظ تحسناً ملموساً بنسبة 5% في مؤشر رأس المال البشري خلال العقد الأخير قبل الجائحة بحسب تقرير مؤشر رأس المال البشري لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي.
وأصبح الإنسان ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم والتنمية المستدامة، وأن الاستثمار الأمثل يكمن في الاستثمار في رأس المال البشري
ويوجد الكثير من الأمثلة على دول التي لا تمتلك أية موارد يعتد بها، ولكنها وضعت نفسها على خارطة العالم الإنسانية والاقتصادية والسياسية من خلال استثمار ثروتها ومواردها البشرية. فدولة مثل اليابان كانت محطمة ومدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، وتقلصت مساحتها إلى حدود جزيرة اليابان المحاطة بالمياه من كل جانب والتي تفتقر إلى الموارد الطبيعية. إلا أنها استثمرت في أهم ثروة تمتلكها ألا وهي الثروة البشرية وحرصت على تأهيلها وتنمية مهاراتها وقدراتها حتى غدت دولة صناعية تشكل رقماً مهماً في العالم، على الرغم من افتقادها للموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية.
مما لا شك فيه أن جائحة كوفيد-19 تسببت في إحداث فوضى كبيرة في جميع أنحاء العالم، وأجبرت جميع الاقتصادات على الإغلاق المطول الذي دام عدة أشهر. وتعد هذه الفترة واحدة من أسوأ الصدمات الاقتصادية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي؛ حيث شكلت تحدياً كبيراً يهدد رأس المال البشري في مختلف دول العالم، ويهدم المكاسب التي تم تحقيقها خلال العقد الأخير على مستوى الصحة ومعدلات البقاء على قيد الحياة والالتحاق بالمدارس، حيث تسببت الجائحة في عدم انتظام أكثر من مليار طفل في الدراسة بمدارسهم. كما تعطلت الخدمات الصحية الأساسية في العديد من دول العالم وخصوصاً الدول النامية، فكان لزاماً البحث عن حلول لحماية البشر والاستثمار بهم في الوقت الذي تعمل دول العالم على إرساء أسس التعافي المستدام والنمو المستقبلي.
ويبدو أنه يجب على الحكومات اتخاذ تدابير وسياسات جديدة لتعزيز النمو طويل الأجل والخروج من تداعيات الجائحة، وعلى رأسها الاستثمار في المعرفة وبناء رأس المال البشري والمادي من خلال الاستثمار في التعليم والصحة وتحسين بيئات الأعمال لدعم قوة الاقتصاد وتحسين قدرته على مواجهة الأزمات في المستقبل، بالإضافة تحفيز الاستثمار الخاص من خلال التركيز على مشروعات البنية الأساسية المحفزة لجذب الاستثمارات والإنفاق على البحث العلمي والابتكار والتحول نحو الاقتصاد الأخضر المستدام.
وما يعيب الدول العربية أن بعضها متأخر جداً في الاستثمار برأس المال البشري نتيجة تدني مساهمات التعليم والصحة في إنتاجية العمالة، ويجب عليها بذل المزيد من الجهد لتحسين فعالية وكفاءة استثماراتها في البشر. وقد حذر البنك الدولي في آخر تقرير له حول مؤشر رأس المال البشري من أن الطفل المولود اليوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لن يحقق أكثر من 57% من قدرته الإنتاجية بعد أن يكبر مقارنة بإنتاجيته لو كان حصل على تعليم كامل ورعاية صحية أفضل.
وأظهرت دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً اتجاهات جديدة نحو التركيز على الاستثمار في رأس المال البشري لتحويل مسار الاقتصاد وتعزيز النمو وتحقيق تنويع مصادر الدخل وتصحيح الاختلالات البنيوية التي أفرزتها الجائحة، ما يجعل نقطة الانطلاق في العمل التنموي بوابة حقيقية للتطور الاقتصادي الشامل، حيث لا يمكنها الاستمرار على المدى الطويل في الاعتماد على النفط كمورد رئيسي لتمويل مشروعات التنمية، بل يجب اتباع نهج أكثر تكامل يشمل تعزيز الصحة العامة وجودة الحياة والحد من انتشار الأمراض غير المعدية وتطوير المناهج الدراسية القائمة على الكفاءة، فضلاً عن اتباع استراتيجيات جديدة تركز على تمكين الشباب والتحول الرقمي وخلق فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص.
وتحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى عربياً و44 عالمياً في مؤشر رأس المال البشري 2020 بفضل استثماراتها في مجالي الصحة والتعليم وتعزيز رأس المال البشري، والاستثمار في قدرات الأفراد، حيث تعتبر أولى الدول الخليجية التي منحت أولوية لتعليم الأطفال مبكراً، كما خصصت في العام 2020 أكبر نسبة من الموازنة العامة لقطاعي الرفاهية البشرية والتنمية الاجتماعية بنسبة 42.3%. وتضمن ذلك 17% من الموازنة المخصصة للصحة و7.3% للتعليم.
كما كانت مصر من أوائل الدول التي تبنت مشروع رأس المال البشري، وحققت على مدى العقد الماضي مؤشرات إيجابية طفيفة فيه بفضل المكاسب التي تحققت في مجال الصحة. ويساهم البنك الدولي في دعم جهود تنمية رأس المال البشري في مصر من خلال المساهمة بتمويل برنامج الحماية الاجتماعية بقيمة 400 مليون دولار، وتمويل بقيمة 500 مليون دولار لمساندة برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية الذي استفاد منه أكثر من 12 مليون مصري حتى الآن.
قد تكون جائحة كوفيد-19 وتداعياتها أثرت على استراتيجيات الاستثمار في رأس المال البشري على اعتبار أن دول العالم قد أُنهكت خلال العام الماضي بالحد من انتشار الجائحة، إلا أن بعد أن تزول الجائحة ويعود الوضع طبيعياً إلى سابقه، يجب تسريع وتيرة الاستثمار في رأس المال البشري كماً وكيفاً للمساهمة في بناء النموذج الاقتصادي المستقبلي المستدام.