في عصر الاقتصاد المعرفي وفي زمن " الرقمنة" لم تصبح"الصناعات التكنولوجية" مجرد رفاهية أوحلم ننتظر تحقيقه على أرض الواقع أو استراتيجية مستقبلية تخطط لها الدولة وتضع لها خططاً عشرية أو خمسية لتنفيذها بل أصبحت " خير لابد منه " وكذلك الاستقلال التكنولوجي بكل متطلباته من أجل اللحاق بقطار التنمية الشاملة ومصيراً قدرياً محتوماً وجب علينا التعايش معه في ظل التطورات التكنولوجية والرقمية المتسارعة التي طالت جميع مجالات الحياة اليومية في الداخل والخارج .

فما من مساءلة حياتية إلا وباتت الصناعات التكنولوجية جزءاً أصيلاً منها في قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والصحة والتعليم والسياحة .. فلك أن تتخيل الحالة الاقتصادية لدولة دون التكنولوجيا في هذا العصر الملىء بالرقمنة والمزدحم بوسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات عن بعد وتقنية الجيل الخامس للمحمول فأنى لها تحيا بين الدول وشتان بينها وبين دول اتخذت من التطور التكنولوجي سبيلاً ودرباً من دروب حياتها .

وما حققه قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأونة الأخيرة من نمو بنسبة 30% وكذلك مساهمته في زيادة الدخل القومي الدولارى في ظل التغيرات العالمية والأزمات السياسية والاقتصادية المحيطة بالقطر المصرى يجعلنا أمام طفرة اقتصادية حقيقية وجب على الحكومة استغلالها خاصة وأن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أصبح يساهم في الناتج القومي بنسبة 6% ويستهدف الوصول إلى 8 % في الفترة المقبلة، وهو ما تستهدفه الكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال.

وفي ظل التوجه العالمي نحو التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، أصبح " توطين الصناعات التكنولوجية " ضرورة حتمية لمصر لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وتقليل فاتورة الاستيراد، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق الإقليمية والعالمية.

ولتوطين الصناعات التكنولوجية في مصر أهمية كبرى فمن خلالها تقلل الدولة الاعتماد على استيراد الهواتف والأجهزة الذكية و المكونات الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر ومعدات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعن طريق التصنيع المحلي لهذه المنتجات توفر الدولة مليارات الدولارات وتحمي الاقتصاد من تقلبات الأسعار العالمية.

إن توطين الصناعات التكنولوجية يعزز الصناعات المحلية المرتبطة
فعلي سبيل المثال فإن تصنيع الألواح الشمسية يدعم مشروعات الطاقة المتجددة وكذلك إنتاج أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) للزراعة الذكية والمدن الذكية وكذا صناعة الهاردوير والبرمجيات لتلبية احتياجات القطاعات المختلفة.

كما تساهم الصناعات التكنولوجية المحلية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة وأن الشركات العالمية تبحث عن مواقع تصنيع جديدة بسبب الأزمات العالمية (مثل أزمة أشباه الموصلات).

وفي الأونة الأخيرة قام الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بجولات مكوكية عالمية في قارات العالم من المحيط للخليج للترويج لملف توطين الصناعات التكنولوجية وجذب استثمارات أجنبية في هذا المجال ولإقناع كبريات شركات التكنولوجيا العالمية بأهمية هذه الصناعات وجدوى أن تصبح مصر مركزًا إقليميًا للتصنيع التكنولوجي بفضل العمالة المصرية والكفاءات المتدربة في مجالات التعهيد والذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وبتكلفة تنافسية وكذلك وجود اتفاقيات التجارة الحرة مع أفريقيا وأوروبا.

ومما يشجع أيضاً علي توطين الصناعات التكنولوجية في مصر المدن الصناعية المتطورة أبرزها المدينة الصناعية بالإنتاج الحربي و"مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية".

ولدينا قطاعات واعدة في حاجة ملحة لتوطين التكنولوجيا في مصر أبرزها قطاع صناعة الإلكترونيات والهواتف الذكية فقد نجحت مصر في جذب شركات مثل ( سامسونج وفيفو وأوبو ) لإنشاء خطوط تجميع محلية للهواتف الذكية مما نتج عنه التوسع في تصنيع المكونات الإلكترونية مثل البطاريات والشاشات .

وكذلك شركات ترانشن موبيل الرائدة في مجال اكسسوارات الموبايل والتي ينبثق عنها شركات اورايمو وتكنو وانفنيكس للهواتف المحمولة وإكسسورات المحمول .

كما ظهر مؤخراً البراند المصرى الأصيل لإنتاج الإكسسوارات والأجهزة التكنولوجية الصحية ( كاردو) بقيادة رائد الأعمال المصري أحمد عادل الذى أصبح ينافس الماركات العالمية بقوة في السوق المصرى واتجه مؤخراً للسوق السعودى وهو ما يمثل دفعة قوية لجميع البرندات المصرية.

ومن القطاعات التكنولوجية التى تحتاج لتوطين الصناعات التكنولوجية في السوق المصرى تصنيع أجهزة الطاقة الخضراء وخاصة الألواح الشمسية و توربينات الرياح لدعم مشروعات الطاقة المتجددة وأنظمة تخزين الطاقة (البطاريات الذكية) .

كما أننا في حاجة لتوطين صناعة البرمجيات والأجهزة الذكية مثل مراكز التصميم والبحث والتطوير (R&D) للشركات العالمية وكذلك تصنيع السيرفرات وأجهزة الشبكات لتقليل الاعتماد على الواردات.

ومن المجالات الملحة التى تحتاج لتوطين الصناعات المتعلقة بها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (AI & IoT) وأبرزها تصنيع أجهزة الاستشعار والأنظمة الذكية للزراعة والصناعة وتطوير حلول التصنيع الذكي باستخدام الروبوتات .

ولا أقول إن نجاح الدولة المصرية في توطين الصناعات التكنولوجية سهلاً ولكن تواجهه العديد من الصعاب والتحديات التى تسعى الحكومة المصرية بكل الطرق لتجاوزها .

ومن أبرز تلك الصعاب نقص الخبرات الفنية المتقدمة وتقوم الحكومة ممثلة في وزارتى التربية والتعليم والتعليم الفنى والتعليم العالي بتطوير التعليم الفني والهندسي وبرامج التدريب المتخصصة بالشراكة مع القطاع الخاص .

ومن الصعوبات التى تواجه توطين الصناعات التكنولوجية ارتفاع تكلفة التصنيع المحلي مقارنة بالمنافسين وقامت الحكومة المصرية مؤخراً بتقديم حوافز ضريبية ودعم مالي للمصنعين المحليين كما أن استيراد المواد الخام اللازمة للصناعات التكنولوجية من أكبر الصعوبات التي تواجه الصناعة المحلية وهذا يستلزم الاستثمار في صناعات أشباه الموصلات والبلاستيك الهندسى وصناعة السيليكون من الرمال البيضاء التى تعتبر من أكبر الثروات الطبيعية في مصر .

في حقيقة الأمر إن توطين الصناعات التكنولوجية في مصر لم يصبح خيارًا بل أصبح ضرورة لضمان الاستقلال التكنولوجي والتحول إلى اقتصاد معرفي يعنمد علي الصناعات التكنولوجية بشكل كامل.