مستقبل الدولار/الين بين حذر بنك اليابان وتوقعات تضخم مرتفعة : هل سيستمر الارتفاع؟


يشهد زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني موجة صعود قوية وصلت به إلى أعلى مستوى له في أكثر من أربعة أشهر عند 150.92، بعد أن أبقى بنك اليابان سعر الفائدة قصيرة الأجل دون تغيير عند 0.50% للاجتماع الرابع على التوالي. وهذا التوجه يعكس استمرار السياسة النقدية شديدة التيسير التي يتبعها البنك، في وقت ترتفع فيه توقعات التضخم إلى 2.7% للسنة المالية الحالية مقارنة بـ2.2% سابقًا. لذا أرى أن هذا التباين بين تضخم مرتفع وسعر فائدة منخفض يفتح المجال لمزيد من الضغط على الين، مما يعزز فرص استمرار الاتجاه الصعودي لزوج الدولار/ين في المدى القريب.
وحاليًا، يتداول الزوج بالقرب من 150.60 بعد أن اخترق المستوى النفسي 150.00 مرتفعًا بنسبة 0.85% خلال اليوم الجمعة. وهذا الارتفاع لا يمكن فصله عن موقف بنك اليابان الذي يؤكد أنه لن يرفع أسعار الفائدة إلا عندما تصبح احتمالية وصول التضخم إلى هدف 2% مستدامة وبشكل واضح. ومما يلفت النظر هو أن المحافظ كازو أويدا أشار إلى أن الضغوط التضخمية الحالية لا تزال مدفوعة بالعرض، خاصة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مام يقلل من احتمال تحرك البنك المركزي سريعًا نحو تشديد السياسة النقدية. ومن وجهة نظري، هذا الخطاب "الحمائمي" يبعث رسالة واضحة للمستثمرين أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة لفترة أطول، وهو ما يدفع الأموال نحو الدولار بحثًا عن عوائد أعلى.
وفي الوقت نفسه، السياسة النقدية في الولايات المتحدة لا تزال أكثر تشددًا نسبيًا، حيث تستمر الفائدة الفيدرالية في مستويات مرتفعة تتراوح بين 4.25% و4.50% مع تلميحات باحتمال بقاء هذه المستويات لفترة أطول للسيطرة على التضخم. والفارق الواسع بين العوائد الأمريكية واليابانية (أكثر من 5%) يدعم استراتيجية "التداول بالفرق في العوائد" أو ما يعرف بـcarry trade، حيث يقترض المستثمرون بالين منخفض الفائدة ويستثمرون في أصول وعملات ذات عائد أعلى مثل الدولار الأمريكي. وهذه الاستراتيجية، برأيي، ستبقى قوة دافعة لصعود الدولار/الين على المدى المتوسط ما لم يغير بنك اليابان نبرته جذريًا.
ومن زاوية أخرى، أرى أن هشاشة الاستهلاك المحلي في اليابان تمثل عائقًا أمام أي تشديد نقدي قريب. فرغم أن التضخم ارتفع، إلا أن النمو في الأجور لم يحقق بعد الزخم الكافي لتعزيز القوة الشرائية للمستهلكين، وهو ما أقر به المحافظ أويدا نفسه. ورفع أسعار الفائدة في هذه المرحلة قد يضعف الطلب الداخلي أكثر، مما قد يضر بالتعافي الاقتصادي. لذلك، أعتقد أن بنك اليابان سيتريث في اتخاذ خطوات حاسمة حتى يرى إشارات أوضح على تحسن مستدام في نمو الأجور.
أما على صعيد التجارة العالمية، فقد أشار أويدا إلى أن الاتفاقية التجارية الأخيرة مع الولايات المتحدة تمثل "خطوة كبيرة إلى الأمام"، لكنها لن تكون كافية وحدها لدفع البنك نحو تغيير سياسته في المدى القريب. والتغيرات في اساسيات التجارة والرسوم الجمركية تحتاج وقتًا لتظهر آثارها الكاملة على الاقتصاد الياباني. وفي المقابل، التقلبات الأخيرة في الين لم تغير توقعات البنك المركزي للتضخم، مما يعني أن مستوى 150–151 للدولار/الين لا يعتبر تهديدًا مباشرًا من وجهة نظر السلطات النقدية، وهو ما يقلل من احتمال أي تدخل عاجل لدعم العملة.
وعليه، أتوقع أن يواصل الدولار/ين اتجاهه الصعودي مع احتمالية اختبار مستوى 152.50 خلال الأسابيع المقبلة إذا لم تظهر إشارات قوية على تغير السياسة النقدية اليابانية أو تدخل حكومي مباشر. والدعم الأساسي لهذا السيناريو يأتي من الفارق الكبير في السياسات النقدية بين الولايات المتحدة واليابان، وتدفقات رؤوس الأموال نحو الدولار، إلى جانب خطاب بنك اليابان الذي لا يزال بعيدًا عن التشديد. كما أن التضخم في اليابان، رغم ارتفاعه، يبقى مدفوعًا بعوامل عرض مؤقتة أكثر من كونه تضخمًا ناتجًا عن طلب قوي، وهو ما يبرر حذر البنك.
كما أن اختراق مستوى 150.00 عزز شهية المشترين، وقد يؤدي تجاوز مقاومة 151.20 إلى توجه الزوج نحو مستويات لم نشهدها منذ أوائل 2024. وفي المقابل، أي تراجع دون 149.50 قد يشير إلى بداية تصحيح محدود، لكنه في رأيي سيكون مؤقتًا في ظل استمرار العوامل الأساسية الداعمة لصعود الدولار.
وفي الختام، أرى أن مستقبل الدولار/الين سيبقى مرهونًا بالسياسة النقدية اليابانية التي لا تظهر أي علامات على التحول نحو التشديد في المدى القصير. التضخم المرتفع وحده لا يكفي لدفع بنك اليابان إلى رفع الفائدة في ظل هشاشة الاستهلاك المحلي وضعف نمو الأجور. وفي المقابل، قوة الدولار مدعومة بفارق العوائد والسياسة النقدية الأمريكية الأكثر تشدداً. وبناءً على ذلك، أرجح استمرار الضغط على الين ومزيدًا من الصعود لزوج الدولار/ين، مع أهمية مراقبة دقيقة لأي تغير مفاجئ في لهجة بنك اليابان أو تدخل حكومي محتمل إذا تجاوزت العملة اليابانية مستويات ضعف غير مقبولة